لماذا الإنتحار ؟

مقال للدكتور عائض القرني بجريدة الشرق الاوسط :

كثيراً من الناس يحاولون الانتحار. فلماذا الانتحار.؟

 

الإجابة:

   لعل ما كتبه فضيلة الشيخ الدكتور/ عائض القرني في إحدى مقالاته (لماذا الانتحار؟) في جريدة الشرق الأوسط فيها إجابة شافية لسؤالك, وهي كما يلي:

  إذا وصل الإحباط عند الإنسان غايته, وبلغ الإلحاد نهايته, وأصبحت الحياة لا معنى لها, والوجود لا أهمية له, والدنيا لا تستحق العيش فيها. حينها يبدأ الإنسان يفكر كيف ينهي حياته. ويقتل نفسه, لكن المؤمن بالله لا يفعل ذلك أبداً مهما أظلمت الدنيا في عينيه. فعنده بقية أمل وشيء من رجاء وقليل من صبر, والمؤمن لا ينتحر, لأنه يعيش الحياة كما هي, ويعلم أن الأيام دول, وأن مع العسر يسر, وأن بعد الكرب فرجاً, وبعد ليل المشقة صبح الراحة. كما قال تعالى: " فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا" وقد ذكر العلماء أن من يقدم على الانتحار أحد صنفين: إما ملحد بالله ويعتقد أنه لا إله ولا آخرة ولا حساب ولا جنة ولا نار, وأن الحياة لعبة في لعبة. والكون وٌجِد صدفة, فهو يرى أن حياته  وموته سيان. والصنف الثاني من فقد إدراكه, وعميت بصيرته, وذهب عقله, فهو يتصرف تصرف المجانين, ولكن المؤمن بالله وبالآخرة حاضر العقل لا يمكن أن يفكر في هذه النهاية المأساوية لحياته؛ لأنه يعلم أنه مسؤول أمام الله عن نفسه, وأنه سوف يعذب في النار بآلته التي قتل بها نفسه كما قال صلى الله عليه وسلم: " من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالداً مخلداً فيها للأبد, ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداَ. ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته يجابها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً " إن الإيمان هو القوة الهائلة والمدد الذي لا ينتهي والمخزون الذي لا ينفذ مهما اشتدت ظلمة ليلة المصيبة وأدلهم الخطب وعظم الكرب فعند المؤمن انتظار الفرج بالصبر عبادة, واحتساب المثوبةعلى كل مصيبة طاعة, والرضى باختيار الله وتسليم الأمر له والإيمان بالقضاء والقدر واليقين بأن الدنيا دار ممر إلى عالم أطول وأسعد وأكثر خلوداً وبهجة وإشراقاً قال الله تعالى:" من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" وقد ذكر العقاد في كتابه "مذهب ذوي العاهات" أن الملحد معاق عقلياً, وأنه لا يفكر في الانتحار إلا من أفلس في عالم الإيمان, وضعاف الأنفس تواجههم أزمات اكبر من طاقتهم فلا يجدون عندهم صبراً ولا إيماناً ولا احتساباً, فينهون حياتهم بالانتحار, فنجد إما ملحداً كما تقدم أو هش الإيمان ضعيف اليقين قليل الطاعة تاركاً للصلاة مستهيناً بعظمة الله أو أصاب عقله خلل كمدمن المخدرات والناقم على نفسه وأهله والمجتمع والحياة, وقد سمعت بعض أخبار المنتحرين فإذا هم أناس ليسوا أسوياء فهم قد أصيبوا في إيمانهم وعقولهم من قبل؛ لأنه لو كان عند الواحد منهم إيمان وعقل لتقبل الحياة بظروفها وصورها؛ لأنه يعلم أن مع النعمة شكراً, ومع المصيبة صبراً, ومع الذنب مغفرة, وقد قرأت قصص المؤمنين الصابرين وهم في أحلك ليالي البلاء فوجدت الثبات واليقين والرضى بما كتب الله والإيمان بقضاء الله, فمنهم من عُذَّب وجُلد وحُبس, ثم قدّم إلى المشنقة راضياً محتسباً مبتسماً, فهذا مثلاً الصحابي الجليل خبيب بن عدي يُعذبه المشركون في مكة ثم ينصبون له مشنقة, ثم يقودونه إليها فيطلب منهم أن يمهلوه ليصلي ركعتين, فلما صلى التفت إليهم وقال: والله لولا أن تقولوا إنني جزعت من الموت لطوّلت صلاتي, فلما نصبوه مصلوباً أنشد قصيدة رائعة بقلب ثابت ونفس مطمئنة يقول فيها:

                 ولست أبالي حين أقتل مسلماً        وعلى أي جنب كان في الله مصرعي

  ويٌعذب أحد علماء الأندلس ويقيّد في الحديد في زنزانة محبوساً مجلوداً فيرضى ويسلّم ويتحدى الأعداء ويقول:

                   وإن كان عندك يا عذول بقية        مما يُضامُ بها الكرام فهاتها

 والشاعر المشهور والعالم الأبي وردي تمر به محن ومصائب فينتصر عليها ويقول بنفس شجاعة وهمة ثابت:

                   تنكـر لي خصمي ولم يدر أنني        أعِزُّ  وأحداث الزمان تهون

                فبات يريني الخصم كيف أعداؤه        وبت أريه الصبر كيف يكون

   المؤمنون لا يفكرون في الانتحار؛ لأنهم في حكم الله وفي مشيئته يعبدونه في السراء والضراء ويعلمون أن كل شيء بقضاء وقد, وأن الاختيار لله " فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" والمنتحر إنسان محبط فاشل صفر يرى أن موته وحياته سواء فلا داعي في نظره لأن يعيش.
 


آخر تحديث
11/5/2009 10:38:28 AM