الشباب وهاوية المخدرات

 

مقال جريدة عكاظ,الجمعة ..بتاريخ 6/3/1429ه (العدد 15175)


إن الحديث عن المخدرات يستوقفنا على المعنى الحقيقي لهذه الكلمة ، فكلمة مخدرات هي كلمة ايجابية من حيث استخدامها الصحيح فهي عقار طبي يستخدمه الأطباء لتسكين آلام المرضى والتخفيف عنهم، فهي عقار طبي بحت، فان استخدمت بغير حق صار نوعا وأسلوبا جديدا من أساليب الهلوسة، فالسكين مثلا هي أداة للطبخ والعمل والعلاج والجراحة فهي أداة محمودة إلا أنها إذا استخدمت في غير حقها الذي صنعت من اجله فصارت أداة جريمية مرعبة ومرهبة ودواليك الأمر على كل ما هو بين أيدينا، فهو سلاح ذو حدين وما يفصل بينهما إلا العقل السليم والشرع الصحيح قال الله تعالى: - (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)


المخدرات حين دخلت على المجتمعات المدنية ما جاءت إلا كنوع طبي علاجي مرخص مندور الدواء العالمية وهو نوع من أنواع التخفيف عن آلام المريض والمحزون والمكتئب، فما جاءت إلا للاستطباب ونوع من العقار المحمود ، إلا إن هناك شياطيننا من الأنس والجن اغتنموا هذه الأداة لتحطيم ما هو سليم وبناء لقتل التكاتف الاجتماعي وتمزيق لحمة الأسرة. قال الله تعالى :- ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (112)

فمن الناحية النفسية

تؤدي حبوب الهلوسة "المخدرات" إلى انحلال الشخصية وعدم الاتزان وهلاوس سمعية وبصرية أيضا الاكتئاب والشعور بالقلق وعدم الاستقرار والإحباط وتبلد الإحساس وانفصام الشخصية فلو دخلنا في تحليل نفسي لهذه الهلوسة" المخدرات" المنتشرة في إرجاء المعمورة لوجدناها ما استخدمت لا للمتعة ولا للترفيه ...فأي ترفيه هذا الذي يجعل المرء حين يتناولها أشبه ما يكون ببهيمة ضالة لا تعي ما تقول ولا تنفع ولا تنتفع ولا ينتفع بها ...فما هذه المتعة التي تجنى من حبوب الهلوسة؟.. والتي لا يترتب على صاحبها بأقل القليل إلا أن يبول على نفسه ،أو أن يعتدي على غيره أو أن تحمله على الجريمة فمتعاطيها دائم الحسرة ... والندم ... والهم ... والغم ... والنكد ... والبكاء.. والشحوب ... الإعياء ... والكسل ...الهروب من كل ما هو واقعي.

ومن الناحية الاجتماعية

صارت المخدرات معولا لهدم المثل والقيم العليا والمدمن دائما هو القدوة السيئة للغير .. وكذلك المخدرات تؤدي بصاحبها إلى النبذ والاحتقار والسقوط من القمة إلى الحضيض وفقدان الحياة والشرف والمكان المرموق بين الناس.

ومن الناحية الاقتصادية

لو قدر لباحث اقتصادي أن يدرس كم من الأموال الطائلة والهائلة أنفقت على هذه الهلوسة لرأى العجب العجاب مثل تدني إنتاجية الفرد وبالتالي تدني إنتاجية المجتمع والتخلف عن ركب الحضارة وإهدار الأموال بدون وجه حق وفي سبيل الشيطان وهي السبب الرئيسي للفقر وخراب البيوت والمخدرات سبب إهدار موارد البلاد.

وان الناظر بعين الحق ومايكروكسوب العلم ويقين الإيمان يرى وبكل وضوح لا يخالطه ريب ولا شك على أن أسباب انزلاق الشباب إلى إدمان المخدرات(الهلوسة) وجعلها طريقة هلوسة لتخرج الإنسان عن عقلانيته وتحويله الى المرحلة البهيمية ترجع إلى أربع أسباب رئيسية وهي:

1- ضعف الإيمان في القلوب

وما يتولد عنه من ضنك الحياة واليأس والقنوط والهم والحزن وانفصام الشخصية وحب الأنا

وهذا له أسباب كثيرة اجلها وأعظمها غياب تعظيم شعائر الله وظهور الاستخفاف بأمور الدين, فالانصراف عن ذكر الله وعن الصلاة التي هي عمود الإسلام كل هذا يجعل المخدرات تضعف الإيمان وتورث الخزي والندامة وهي أيضا تذهب الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان .. كما أنها تفتح باب الكبائر والفواحش والمعاصي كما أنها سبب زوال النعم ونزول العقوبة والنقم والمخدرات رجس من عمل الشيطان.

ومن أقوال علماء النفس عن هذه الظاهرة ( وهي ما يلحق الإنسان من اعياءات نفسية مزمنة تحمله على تعاطي المخدرات للهروب من واقعة )وعلاجها ما جاء من أقوالهم فمثلا
بريل المحلل النفسي: " أن المرء المتدين لا يعاني قط مرضا نفسيا.
وفي مقال نشرته مجلة " اريدرز دايجست" قال د. اليكس
" أن الصلاة هي أقوي شكل للطاقة يستطيع المرء توليده
يقول الطبيب توماس هايسلوب:
" ان الصلاة أهم أداة عرفت حتى الآن لبث الطمأنينة في النفوس وبث الهدوء في الأعصاب"

2-أصحاب السوء وحسبنا في أصحاب السوء قوله تعالى: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا

وقوله عليه السلام لا تصاحب إلا مؤمن ولا يأكل طعامك إلا تقي

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)المرء على دين خليله

مخالطة أصحاب السوء: فلينظر أحدكم من يخالل

3- عدم اعتناء الأهل بأبنائهم

وهذا ظاهر بين فلا حساب ولا عتاب بل ورفعت التكاليف بين الآباء وأبنائهم وظهر التمرد فيما بين الأبناء على كل ما هو أصيل بحجة انه قديم متخلف

وانشغال الآباء بجمع الأموال والانكباب على الدنيا من غير اعتبار للأمانة التي جعلها الله تعالى في أعناقهم

4- التفكك العائلي

والذي من ابرز أسبابه كثرة الطلاق الغير مبرر ووفرة الخلافات الأسرية أمام الأبناء والتي مزقت التكافل والتراحم وأوقعت الأبناء في حيرة جعلتهم لا يرون حلا إلا الهروب من هذا الجحيم الأسري وما كان ذلك إلا بتعاطيهم حبوب الهلوسة والتي ظنوا بها على أنها المنقذ والمخلص الأوحد لهم مما هم فيه من جحيمهم الأسري.



وهناك سؤال متداول بين قطاعات الإعلام عامة وعلى ألسنة الناس خاصة

نصه

لماذا دائما نجد هذه المواد السامة تنتشر أو تظهر بشكل واضح في الأحياء الشعبية دون غيرها؟ وهل يعود ذلك إلى عشوائية هذه المناطق التي تشتهر بالأزقة الضيقة وفي نفس الوقت بتلاصق البيوت الذي يسهل على المدمن وحتى المروج الاختباء أو البيع فيها ؟

ولو طرحنا هذا السؤال على مائدة التشريح العلمي والشرعي لوجدنا إن الأمر لا يخرج عن أسباب عدة

وبمعرفة هذه الأسباب معاشر السادة الكرام نستطيع إن نقرر سبب انتشار هذه المخدرات في الأحياء الفقيرة

ولكن قبل الخوض في الإجابة عن هذا التساؤل لا بد من إحقاق الحق وهو ا ن هذه الظاهرة أي انتشار المخدرات منتشرة في أكثر المدن والبلاد رقيا وسببها واحد لا ثاني له وهو الفراغ الروحي

وعودا على ذي بدء أقول:

إن سبب انتشار هذه الظاهرة المقيتة في الإحياء الشعبية يعود إلى الأمور التالية:-

1-انتشار الفقر والبطالة ... وهذا كفيل لوحده أن يوهم أصحاب هذه المناطق على ان هذه الوسيلة هي من أسرع وانجح واغلي ضروب التجارة

فالفقر بكليته أساس كل بلوى وفتنة وعدوان

ولا ننسى قول عمر رضي الله عنه والله لو أن الفقر رجل لقتلته

نعم لقتله عمر لأنه سبب كل رذيلة

2- ناهيك على أن جغرافية تلك المناطق من حيث الأزقة الغير منظمة والسراديب المخفية فيها هي من اكبر المشاريع والأساليب التي تشجع على الاختباء والاحتماء فيها

3- وكذلك لا ننسى إن أصحاب هذه المناطق لهم نصيب من السذاجة والبساطة واللاوعي والذي كله يعود لتفشي الأمية وقلة العلم والتوجيه فيها بل وان كان فيها خلاف ما نقول إلا انه قائم على غير التوجيه العلمي الشرعي الصحيح فهو عشوائي أكثر من أن يكون مقننا على أصول وثوابت علمية وشرعية اتفقت الأمة عليها وهذا ما شجع أصحاب هذه المافيا والعصابات أصحاب أسواق حبوب الهلوسة على استغلال الضعف العلمي عند أصحاب هذه المناطق لاستغلالهم بالمال والعتاد وتجنيدهم كجنود وأعوان لهم

وهاهنا لا بد من القول:

بأن تكثيف برامج التوعية وإظهار مخاطر المخدرات وتقديم الكثير من المحاضرات على كافة المستويات ووضع الخطط الإستراتيجية المستمرة لبث الوعي والتثقيف لاسيما أن منتجي هذه السموم لا يرعوون من إضافة بعض المواد المتسرطنة والمركبات التي تتلف خلايا المخ. وما اليوم العالمي إلا احدي المناسبات والتي من أهم دلالته أن العالم بأسره اجمع على محاربة هذه السموم على مختلف دياناتهم ولغتهم وجنسياتهم واختلاف ثقافتهم وما ذلك إلا لثبوت ضررها وشناعة آثارها

وهذا يحملنا على أن نكون نحن المتصدرون إلى توعية هذه الأقليات الفقيرة بالعلم ودعمهم بالمال بل والسابقون إلى ذلك من قبل أن تأتي أيدي الاغتيال وتغتالهم من تحت أرجلهم وهم لا يعلمون ....مع إننا للعلم وأقولها بصراحة .... بالرغم من أننا استطعنا ان نقطع شوطا كبيرا في محاربة هذه الظاهرة الخطيرة إلا أننا ما زلنا نرى وبكل صراحة عودة كثير ممن تم علاجهم طبيا في مصحات علاج الإدمان إلى عادتهم التي كانوا عليها من قبل

وما ذلك إلا بسبب الانفصام الذي فصل التوجه التوعوي والتربوي عن التطبيب العلاجي

ظنا من كلا الفريقين أن لا تزاوج بين هذين العلمين

ولكن هيهات هيهات

فلا توجيه من غير طب وعلاج ولا علاج من غير توجيه وإرشاد.

 


آخر تحديث
9/15/2013 12:15:43 AM