العلاج النفسي للحزن من منظور إسلامي

 

يعتبر الحزن أحد مظاهر الاكتئاب, وقد شاع استخدام الحزن في التراث, أما مفهوم الاكتئاب فهو حديث نسبياً, والحزن يعني الهم, وحَزَنَ الرجل حَزناً وحُزناً بمعنى أغتم, وكئب الرجل أي تغيرت نفسه وانكسرت من شدة الهم والحزن, فالحزن يحصل لكل الناس, وإذا أستمر وطال صار اكتئاباً.

والحزن من الأمور التي تصيب الناس بحسب واقع الحياة. نظراً لما يواجهونه فيها من ضغوط, وأحداث تثير الحزن لديهم, وللحزن أعراض ومظاهر تصيب الشخص الحزين تتمثل في: المظاهر الجسمية مثل: ضيق الصدر, والبكاء الذي يعبر عن الأسى والحزن, والمظاهر الانفعالية مثل: الهم والحزن والإحساس بالكآبة ومشاعر اليأس, والمظاهر السلوكية مثل: الانطواء والاعتزال والوحدة, والانكفاء على الذات, والمظاهر المعرفية مثل: التفكير في الموت, وهذا ما صوره الرسول في الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال النبي : "لاَ يَتَمَّنَيَنَّ أَحَدكَمَ المَوتَ مِن ضُرًّ أَصَابَهُ فَإِن كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَليَقُل الَّلهُمَّ أَحينِي مَا كَاَنتِ الحَيَاةُ خَيراً لِيِ وتَوفَّّنِي إِذَا كَاَنتِ الوفَاةُ خَيراً لِي" أخرجه الترمذي.َ

ولعلاج الحزن فنيات علاجية كثيرة, ويمكن تقسيمها إلى أربعة جوانب:

1- العلاج الإيماني للحزن.
ويتميز العلاج الإيماني للحزن على غيره من العلاجات النفسية فيأخذ طرق عديدة نذكر منها:

- الإيمان بالله والعمل الصالح, قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ النحل: 97.

- الاستعانة بالصبر والصلاة عند البلاء, وقد أمرنا الله عز وجل بذلك إذا ما أحاطت بنا وثقلت علينا الهموم. قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ البقرة: 45. فإن الصبر واحتساب الأجر يزيل مشاعر لوم الذات, والندم المستمر, والشعور بالذنب التي يقررها علماء النفس كأعراض مصاحبة لحالات الحزن والاكتئاب, فليس أفضل من أسلوب بث الأمل في نفس المصاب, والنظر إلى المصيبة بمشاعر حسن البلاء, وانتظار الجزاء, والنظر إلى أن تكفير الذنوب والتجاوز عن السيئات من مقاصد الابتلاء في هذه الحياة.

- الدعاء, فقد كان الرسول يعالج أصحابه من الكرب والهم والحزن بتعليمهم أنواعاً من الأدعية يدعون بها, مثل: الدعاء الوقائي, والدعاء العلاجي, فالدعاء الوقائي يتمثل لنا في قول الرسول :"قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من اللهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل, وأعوذ بك من الجبن والبخل, وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: ففعلت ذلك فأذهب الله – عز وجل – همي وقضى ديني" أخرجه أبو داوود, والدعاء العلاجي يتبين لنا في قوله : "مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَ لاَ حَزنٌ فَقَال: اَّللهُمَّ إنَّي عَبدُكَ, وَابنُ عَبدِكَ وَ ابنُ أَمتِكَ, نَاصِيتي بيَدكَ, مَاضٍ فيَّ حُكمُكَ, عَدلٌ فِي قَضَاؤُكَ, لأَسأَلُكَ بكُلَّ اِسمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيتَ به نَفسَكَ, أَو عَلَّمتَهُ أَحَداً مِن خَلقِكَ, أَو أَنزَلتُه فِي كِتَابكَ, أَو اسَتَأَثرتَ بهِ فِي عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ, أَن تَجلَ القُرآنَ رَبيعَ قلبي, وَنَورَ صَرِي, وَجلاَءَ حُزنِي وَ ذَهَابَ هَمَّي. إِلاَّ أَذهبَ الله هَمَّهُ وَ حُزنَهُ, وأَبدَلَهُ مَكانهُ فَرجَاً, قال: فقيل يا رسول الله أَلاَ نَتَعلَّمُهَا ؟ فَقَالَ: بَلىَ, يَنبغِي لِمن سَمِعهَا أََن يتَعلَّمَهَا" صحيح ابن حيان, ذكر البلايا بالمرء تحط من خطاياه بها.

2- العلاج السلوكي.

ويهدف العلاج السلوكي للحزن بإيجاد سلوك إيجابي فاعل يؤثر – بتكراره – في المشاعر بطريقة إيجابية, وذلك بالقيام بأنشطة سلوكية عملية. قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ*وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ الحجر: 97-99, وكما قال الرسول : " عَلَيكُم بالجِهاَدِ فِي سَبيلِ الله تَبَارَكَ وَتَعاَلى فَإِنَّهُ بَابٌ مِن أَبواَبَ الجَنَّةِ يُذهِبَ الله بهِ الهَمِّ وَالغَمَّ" رواه أحمد في المسند.5/319.



3- العلاج المعرفي.

ويتم العلاج المعرفي عن طريق تعديل أنماط التفكير والتعامل مع الأفكار والمعتقدات لتكون إيجابية معتمده, وتولد أثر إيجابي في المشاعر والسلوك لأن المشاعر تتأثر كثيراً بالتفكير في علاج الحزن. قال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾ الأنعام: 33.

فأثبت الله تعالى أن الرسول يحزن, وعالج حزنه بطريقة دقيقة تغوص على علّه ذلك الحزن, وهو ظن الرسول أنهم يكذبونه فبيّن الله تعالى حقيقة حالهم, وأنهم مصدقون في الباطن, ولكنهم يجحدون, إذن فالخلل فيهم وهم الظالمون. أما الرسول فقد بلغّ البلاغ المبين الذي لا يملكون معه سوى التصديق, وعلى هذا فلا ينبغي له الحزن عليه.

وما ورد في الآيات, والسنة النبوية لدليل على هذا النوع من العلاج, ومنها:

1- النظرة الإيجابية للابتلاء: ففي حديث الرسول : " ماَ يُصيِبُ المُسِلمَ مِن نَصَبٍ وَ لاَ وصَبٍ وَ لاَ هَمًّ وَلاَ حُزنٍ وَلاَ أَذَى وَلاَ غَمًّ حَتَىَّ الشَّوكةِ يُشَكُهَا إِلاّ كَفَّر اللهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ" أخرجه البخاري في كتاب المرض, ومسلم, وأحمد.

وقوله : " عَجَباً لأَمِرِ المؤُمِنِ, إِنَّ أَمرهُ كُلَّهُ خَيرٌ, وَليسَ ذَاكَ لِأَحدٍ أِلاَّ لمِؤُمِنِ, إِن أَصَبَتهُ سَراءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيراً لَهُ, وَإن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيراً لَهُ". أخرجه مسلم, وهذا يدل على النظرة الإيجابية للابتلاء.

وعلماء النفس المعرفيون يرون أن المريض يحاول أن يفسر الأحداث التي تواجهه بناء على معتقداته وأنماط تفكيره وإدراكه لهذه المواقف, فالمريض يفسر الحزن عندما يدرك الموقف ويفسره على أنه ينطوي على هزيمة أو حرمان, وفقدان شيء مهم, وعادة ما نستجيب لهذا الموقف بالانسحاب منه وتجنبه.

2- رفع مستوى تقدير الذات: قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ آل عمران:139. فالنفس الضعيفة تقبل الانهزام بسهولة, وهنا دعوة للشعور الذهني بالاعتزاز والاستعلاء الذي يجب أن يكون ذات المؤمن الذي بلا شك سيؤثر على السلوك, يقول السعدي في هذا الشأن ما نصه:" وأعلم أن حياتك تبع لأفكارك, فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا, فحياتك طيبة سعيدة, وإلا فالأمر بالعكس.

فالشخص المكتئب يرى ويصف نفسه بالقصور, والنقص, وينسب ما يمر به من خبرات غير سارة إلى عوامل شخصية فيه كالقصور النفسي أو القصور العقلي, أو أنه قاصر اجتماعياً, ولهذا نجد أن من الأعراض الرئيسية التي تسود بين المكتئبين ميلهم إلى وصف الذات بالتفاهة, والنقص, والعجز.

3- تخفيف المصيبة وتقدير أسوأ الاحتمالات: قال الله تعالى:﴿ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ ﴾ آل عمران:153 فإشاعة مقتل النبي (الغم الثاني) أعظم من فوات الغنائم أو جراح الصحابة (الغم الأول), فعندما علم الصحابة بأن النبي ما زال حياً أطمأنوا, وفرحوا فلم يحزنوا على ما فاتهم, ولا على ما أصابهم, والنبي يقول فيما روته أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله : " أَيها النَّاسُ أيُّمَا أَحدٍ مِنَ الناسِ أَو مِنْ المؤمنين أَصيبَ بمُصيبةٍ بعدي فليعتز بمُصِيبته بي عنَ المُصِيبَة اّلتي تُصِيبُهُ بغَيري, فَإنّ أحداً مِنَ أُمتي لن يُصَابَ بمُصِيبةٍ بعدي أَشدْ عليهِ مِنْ مُصِيَبتي" أخرجه ابن ماجه في باب ما جاء في الصبر على المصيبة, (1/1599). فمن الأشياء التي تعالج الحزن تقدير أسوأ الاحتمالات, وأن ينظر الإنسان إلى من هو أسوأ حالاً منه, وأن يعلم الحجم الحقيقي للمصيبة, فمن الأخطاء في التفكير التي تثير الاضطرابات النفسية والوجدانية التي نلحظها في حالات الاكتئاب المبالغة والتهويل في إدراك الأشياء, وإخفاء دلالات مبالغ فيها كتصور الخطر والدمار فيها.

4- استخدام النموذج وضرب الأمثلة في التخفيف من الحزن: ففي الحديث الذي رواه البخاري أن خباب جاء إلى الرسول وكان متوسداً بردة في ظل الكعبة, وقال له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال : " لَقد كَانَ مَن قَبلَكُم لَيمُشَطُ بِمشَاطِ الحَديد مَا دُونَ عِظَامَهَ مِن لَحمٍ أَو عَصَبٍ مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِيِنِه, وَيُوضَعُ المِنَشارُ عَلَى مَفرِقِ رَأسِهِ فَيُشَقُّ باثنَينِ مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِيِنِه".

ومفهوم الحزن يعتبر اليوم مظهر من مظاهر الاكتئاب, وتشير الدراسات النفسية أن الاكتئاب الاستجابي هو حالة من الحزن الشديد المستمر الذي ينتج عن الظروف المحزنة والأليمة, ويعبر عن شيء مفقود, وما ورد في القرآن الكريم, والسنة النبوية المطهرة لحالات الحزن لدليل شامل ومتنوع مما يعجز عن تحقيقه العلاج النفسي الحديث إلى جانب احتوائه على الفنيات العلاجية الحديثة والتي يستخدمها المعالجون النفسيون اليوم.

 


آخر تحديث
9/14/2013 11:57:20 PM