قصيدة أبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه

أَمِـنَ المَنـونِ وَريبِهـا تَتَوَجَّـعُ  ‍
قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِـكَ شاحِبـاً  ‍
أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِـمُ مَضجَعـاً  ‍
فَأَجَبتُهـا أَن مـا لِجِسمِـيَ أَنَّـهُ  ‍
أَودى بَنِـيَّ وَأَعقَبونـي غُصَّـةً  ‍
سَبَقوا هَـوَىَّ وَأَعنَقـوا لِهَواهُـمُ  ‍
فَغَبَرتُ بَعدَهُـمُ بِعَيـشٍ ناصِـبٍ  ‍
وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِـعَ عَنهُـمُ  ‍
وَإِذا المَنِيَّـةُ أَنشَبَـت أَظفارَهـا  ‍
فَالعَيـنُ بَعدَهُـمُ كَـأَنَّ حِداقَهـا  ‍
حَتّـى كَأَنّـي لِلحَـوادِثِ مَـروَةٌ  ‍
لا بُدَّ مِن تَلَـفٍ مُقيـمٍ فَاِنتَظِـر  ‍
وَلَقَـد أَرى أَنَّ البُكـاءَ سَفاهَـةٌ  ‍
وَليَأتِيَـنَّ عَلَيـكَ يَـومٌ مَــرَّةً  ‍
وَتَجَلُّـدي لِلشامِتـيـنَ أُريـهِـمُ  ‍
وَالنَفـسُ راغِبِـةٌ إِذا رَغَّبتَـهـا  ‍
كَم مِن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ الهَـوى  ‍
فَلَئِن بِهِم فَجَـعَ الزَمـانُ وَرَيبُـهُ  ‍
وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ  ‍
وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ  ‍
صَخِبُ الشَوارِبِ لا يَزالُ كَأَنَّـهُ  ‍
أَكَلَ الجَميمَ وَطاوَعَتـهُ سَمحَـجٌ  ‍
بِقَـرارِ قيعـانٍ سَقاهـا وابِــلٌ  ‍
فَلَبِثنَ حينـاً يَعتَلِجـنَ بِرَوضَـةٍ  ‍
حَتّى إِذا جَزَرَت مِيـاهُ رُزونِـهِ  ‍
ذَكَرَ الوُرودَ بِها وَشاقـى أَمـرَهُ  ‍
فَاِفتَنَّهُـنَّ مِـن السَـواءِ وَمـاؤُهُ  ‍
فَكَأَنَّهـا بِالجِـزعِ بَيـنَ يُنابِـعٍ  ‍
وَكَأَنَّـهُـنَّ رَبـابَـةٌ وَكَـأَنَّــهُ يَسَرٌ  ‍
وَكَأَنَّمـا هُـوَ مِـدوَسٌ مُتَقَلِّـبٌ  ‍
فَوَرَدنَ وَالعَيّوقُ مَقعَدَ رابِىءِ الض  ‍
فَشَرَعنَ في حَجَراتِ عَذبٍ بـارِدٍ  ‍
فَشَرِبنَ ثُمَّ سَمِعـنَ حِسّـاً دونَـهُ  ‍
وَنَميمَـةً مِـن قانِـصٍ مُتَلَبِّـبٍ  ‍
فَنَكِرنَهُ فَنَفَـرنَ وَاِمتَرَسَـت بِـهِ  ‍
فَرَمى فَأَنفَذَ مِـن نَجـودٍ عائِـطٍ  ‍
فَبَـدا لَـهُ أَقـرابُ هـذا رائِغـاً  ‍
فَرَمى فَأَلحَقَ صاعِدِيّـاً مِطحَـراً  ‍
فَأَبَدَّهُـنَّ حُتوفَـهُـنَّ فَـهـارِبٌ  ‍
يَعثُرنَ في حَـدِّ الظُبـاتِ كَأَنَّمـا  ‍
وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ  ‍
شَعَفَ الكِلابُ الضارِياتُ فُـؤادَهُ  ‍
وَيَعوذُ بِالأَرطـى إِذا مـا شَفَّـهُ  ‍
يَرمي بِعَينَيـهِ الغُيـوبَ وَطَرفُـهُ  ‍
فَغَـدا يُشَـرِّقُ مَتنَـهُ فَبَـدا لَـهُ  ‍
فَاِهتاجَ مِن فَزَعٍ وَسَـدَّ فُروجَـهُ  ‍
يَنهَشنَـهُ وَيَذُبُّـهُـنَّ وَيَحتَـمـي  ‍
فَنَحـا لَهـا بِمُذَلَّقَـيـنِ كَأَنَّـمـا بِهِما  ‍
فَكَـأَنَّ سَفّودَيـنِ لَمّـا يُقـتَـرا  ‍
فَصَرَعنَهُ تَحتَ الغُبـارِ وَجَنبُـهُ  ‍
حَتّى إِذا اِرتَدَّت وَأَقصَدَ عُصبَـةً  ‍
فَبَـدا لَـهُ رَبُّ الكِـلابِ بِكَـفِّـهِ  ‍
فَرَمى لِيُنقِـذَ فَرَّهـا فَهَـوى لَـهُ  ‍
فَكَبا كَمـا يَكبـو فِنيـقٌ تـارِزٌ  ‍
وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ  ‍
حَمِيَت عَلَيهِ الدِرعُ حَتّى وَجهُـهُ  ‍
تَعدو بِهِ خَوصاءُ يَفصِـمُ جَريُهـا  ‍
قَصَرَ الصَبوحَ لَها فَشَرَّجَ لَحمَهـا  ‍
مُتَفَلِّـقٌ أَنساؤُهـا عَـن قـانِـيٍ  ‍
تَأبى بِدُرَّتِها إِذا مـا اِستُكرِهَـت  ‍
بَينَنـا تَعَنُّقِـهِ الكُمـاةَ وَرَوغِـهِ  ‍
يَعدو بِهِ نَهِـشُ المُشـاشِ كَأَنّـهُ  ‍
فَتَنادَيـا وَتَواقَـفَـت خَيلاهُـمـا  ‍
مُتَحامِيَيـنِ المَجـدَ كُـلٌّ واثِـقٌ  ‍
وَعَلَيهِمـا مَسرودَتـانِ قَضاهُمـا  ‍
وَكِلاهُمـا فـي كَفِّـهِ يَزَنِـيَّـةٌ فيهـا  ‍
وَكِلاهُمـا مُتَوَشِّـحٌ ذا رَونَــقٍ  ‍
فَتَخالَسـا نَفسَيهِـمـا بِنَـوافِـذٍ  ‍
وَكِلاهُما قَد عاشَ عيشَـةَ ماجِـدٍ  ‍


  وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجـزَعُ
  مُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثـلُ مالِـكَ يَنفَـعُ
  إِلّا أَقَضَّ عَلَيـكَ ذاكَ المَضجَـعُ
  أَودى بَنِيَّ مِـنَ البِـلادِ فَوَدَّعـوا
  بَعـدَ الرُقـادِ وَعَبـرَةً لا تُقلِـعُ
  فَتُخُرِّموا وَلِكُلِّ جَنـبٍ مَصـرَعُ
  وَإَخـالُ أَنّـي لاحِـقٌ مُستَتبَـعُ
  فَـإِذا المَنِيِّـةُ أَقبَلَـت لا تُـدفَـعُ
  أَلفَيـتَ كُـلَّ تَميمَـةٍ لا تَنـفَـعُ
  سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عـورٌ تَدمَـعُ
  بِصَفا المُشَرَّقِ كُـلَّ يَـومٍ تُقـرَعُ
  أَبِأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى المَصرَعُ
  وَلَسَوفَ يولَعُ بِالبُكا مِـن يَفجَـعُ
  يُبكـى عَلَيـكَ مُقَنَّعـاً لا تَسمَـعُ
  أَنّي لَرَيبِ الدَهـرِ لا أَتَضَعضَـعُ
  فَـإِذا تُـرَدُّ إِلـى قَليـلٍ تَقـنَـعُ
  باتوا بِعَيـشٍ ناعِـمٍ فَتَصَدَّعـوا
  إِنّـي بِأَهـلِ مَوَدَّتـي لَمُفَـجَّـعُ
  في رَأسِ شاهِقَـةٍ أَعَـزُّ مُمَنَّـعُ
  جَونُ السَراةِ لَـهُ جَدائِـدُ أَربَـعُ
  عَبـدٌ لِآلِ أَبـي رَبيعَـةَ مُسبَـعُ
  مِثلُ القَنـاةِ وَأَزعَلَتـهُ الأَمـرُعُُ
  واهٍ فَأَثجَـمَ بُـرهَـةً لا يُقـلِـعُ
  فَيَجِدُّ حيناً في العِـلاجِ وَيَشمَـعُ
  وَبِـأَيِّ حيـنِ مِـلاوَةٍ تَتَقَـطَّـعُ
  شُـؤمٌ وَأَقبَـلَ حَيـنُـهُ يَتَتَـبَّـعُ
  بِثـرٌ وَعانَـدَهُ طَريـقٌ مَهـيَـعُ
  وَأولاتِ ذي العَرجاءِ نَهبٌ مُجمَعُ
  يُفيضُ عَلى القِداحِ وَيَصـدَعُ
  في الكَفِّ إِلّا أَنَّـهُ هُـوَ أَضلَـعُ
  ضُرَباءِ فَـوقَ النَظـمِ لا يَتَتَلَّـعُ
  حَصِبِ البِطاحِ تَغيبُ فيهِ الأَكرُعُ
  شَرَفُ الحِجابِ وَرَيبَ قَرعٍ يُقرَعُ
  في كَفِّهِ جَـشءٌ أَجَـشُّ وَأَقطُـعُ
  سَطعاءُ هادِيَـةٌ وَهـادٍ جُرشُـعُ
  سَهماً فَخَـرَّ وَريشُـهُ مُتَصَمِّـعُ
  عَجِلاً فَعَيَّثَ في الكِنانَـةِ يُرجِـعُ
  بِالكَشحِ فَاِشتَمَّلَت عَلَيـهِ الأَضلُـعُ
  بِذَمائِـهِ أَو بـارِكٌ مُتَجَعـجِـعُ
  كُسِيَت بُرودَ بَنـي يَزيـدَ الأَذرُعُ
  شَبَـبٌ أَفَزَّتـهُ الكِـلابُ مُـرَوَّعُ
  فَإِذا يَرى الصُبحَ المُصَدَّقَ يَفـزَعُ
  قَطـرٌ وَراحَتـهُ بَلِيـلٌ زَعـزَعُ
  مُغضٍ يُصَدِّقُ طَرفُهُ مـا يَسمَـعُ
  أَولـى سَوابِقَهـا قَريبـاً تـوزَعُ
  غُبرٌ ضَـوارٍ وافِيـانِ وَأَجـدَعُ
  عَبلُ الشَـوى بِالطُرَّتَيـنِ مُوَلَّـعُ
  مِنَ النَضحِ المُجَـدَّحِ أَيـدَعُ
  عَجِلا لَهُ بِشَـواءِ شَـربٍ يُنـزَعُ
  مُتَتَرِّبٌ وَلِكُـلِّ جَنـبٍ مَصـرَعُ
  مِنها وَقـامَ شَريدُهـا يَتَضَـرَّعُ
  بيضٌ رِهـافٌ ريشُهُـنَّ مُقَـزَّعُ
  سَهـمٌ فَأَنفَـذَ طُرَّتَيـهِ المِنـزَعُ
  بِالخُبـتِ إِلّا أَنَّـهُ هُـوَ أَبــرَعُ
  مُستَشعِـرٌ حَلَـقَ الحَديـدِ مُقَنَّـعُ
  مِن حَرِّها يَـومَ الكَريهَـةِ أَسفَـعُ
  حَلَقَ الرِحالَةِ فَهِيَ رِخـوٌ تَمـزَعُ
  بِالنَيِّ فَهِيَ تَثوخُ فيهـا الإِصبَـعُ
  كَالقُرطِ صاوٍ غُبـرُهُ لا يُرضَـعُ
  إِلّا الحَمـيـمَ فَـإِنَّـهُ يَتَبَـضَّـعُ
  يَوماً أُتيـحَ لَـهُ جَـرىءٌ سَلفَـعُ
  صَدَعٌ سَليـمٌ رَجعُـهُ لا يَظلَـعُ
  وَكِلاهُمـا بَطَـلُ اللِقـاءِ مُخَـدَّعُ
  بِبَلائِـهِ وَاليَـومُ يَـومٌ أَشـنَـعُ
  داودٌ أَو صَنَـعُ السَوابِـغِ تُـبَّـعُ
  سِنـانٌ كَالمَنـارَةِ أَصلَـعُ
  عَضباً إِذا مَسَّ الضَريبَـةَ يَقطَـعُ
  كَنَوافِـذِ العُبُـطِ الَّتـي لا تُرقَـعُ
  وَجَنى العَلاءَ لَو أَنَّ شَيئـاً يَنفَـعُ



آخر تحديث
11/3/2009 2:15:47 AM