أكذوبتان...!
د.يوسف بن أحمد القاسم
يقال: إن أكبر أكذوبتين عرفهما التاريخ المعاصر, هما: أكذوبة الديمقراطية, وأكذوبة مجالس الإدارة في الشركات المساهمة..!
أما أكذوبة الديمقراطية, فواقعها في أكثر الدول ديمقراطية يشهد بذلك.., إذ العبرة ليس بالنظرية, ولكن بالتطبيق...
فالأصوات تباع وتشترى في سوق النخاسة..
والإعلام يلعب دوراً رئيسا في حشد الأصوات لهذا المرشح, وفي الإسقاط لذاك...
و"اللوبي" يمارس أدوارا مشبوهة لإقناع الناخبين, وكسب المرشحين..., وهكذا...
ثم الحزب المنتصر في الانتخابات يتجه شطر الممولين والداعمين ووو.., ويستدبر مطالب الناخبين...!
ويبدأ الرئيس المنتخب بتحقيق مطالب حزبه ومموليه باسم الشعب, ويعلن الحرب ويمارس القمع باسم الشعب, ويمتص أموال الضرائب ويرهق ميزانية الدولة باسم الشعب... إلخ, فهل هذه هي الديمقراطية..؟
إن الديمقراطية من حيث الأصل لها هدف جميل, ولكنه من النادر أن يتحقق لسبب بسيط جدا, وهو أن من يختار الرئيس هم عامة الشعب "وليسوا أهل الحل والعقد"، وهذا يعني أن من السهل اختراقهم والتأثير فيهم في اختيار من يصلح رئيسا عليهم عبر وسائل التأثير المعاصرة..., بحيث يطرح عليهم المرشح خططا اقتصادية للنهوض باقتصاد بلاده, ويدلي لهم بخطط استراتيجية لتحقيق النمو والازدهار.., فيصفق له العامة, ويرفعون له الأعلام.., ومهما طرح لهم من خطط, أو روج عليهم من عبارات أو شعارات, فسيجد من التأييد ما يقربه من كرسي الرئاسة ولو كان رجلا أخرق في السياسة, يجر بلاده إلى النكبات والأزمات, كما حصل إبان فترة ولاية بوش التعيسة, والتي أضرت ببلاده وبالعالم أجمع...!
وهذا يذكرنا بهيئة المحلفين التي تمارس عملا قضائيا إلى جانب عمل القاضي, بحيث ينتخب أعضاؤها بشكل عشوائي من خلال جهاز الحاسوب, ثم يوجه أعضاء الهيئة الحكم إلى المتهم بأنه برئ أو مذنب...! والسر في طريقة الانتخاب العشوائية هذه، أنه يسهم في تطبيق الديمقراطية حتى في مجال التقاضي, وهذه الطريقة في الواقع تسهم في هدم العدالة باسم الديمقراطية...! والديمقراطية هدفها الأساس اختيار الرئيس الكفء لتحقيق العدالة..! فهل حكم الشخص المحلَف بأنه مذنب – والذي ربما لا يكون لديه أبسط مقومات النظر في مجال التقاضي - يسهم في تحقيق العدالة..؟ وإن كان القاضي غير ملزم أصلا بالأخذ بقول المحلفين, إذ الواقع يشهد بأن شهادة المحلفين مؤثرة في مسار حكم القاضي...
وأما أكذوبة مجالس الإدارة في الشركات المساهمة, فلأن العضوية في تلك المجالس وضعت في الأساس لخدمة أغراض الشركة بما يحقق مصالح المساهمين, ولكنها من حيث الواقع "إلا من رحم الله" تحقق بالدرجة الأولى أغراض أعضاء المجلس, أو تجر لهم مصالح, أو تدرأ عنهم مفاسد هنا أو هناك..., ثم يأتي في الدرجة الثانية مصالح الشركة..! وبالنظر إلى الشركات في الدول العربية- وهنا لا أتحدث عن دولة بعينها - ماذا نفسر التلاعب في بعض القوائم المالية تحت رعاية أعضاء مجلس الإدارة, أو بعض المديرين التنفيذيين..؟ وماذا نفسر شراء شركات عملاقة أسهم شركات متورطة في الأزمة المالية حتى تعرضت تلك الشركات العملاقة لخسائر بعدما كانت تحقق أرباحا...!
ومن هنا ينبغي أن يرتفع صوت العقلاء لإشراك أصوات المساهمين "بشكل فاعل" في صناعة قرار الشركة؛ لئلا يوظف مجلس الإدارة في صياغة مصالح الأعضاء بعيداً عن مصالح الشركاء.., ولئلا ينفرد الإداريون في صناعة القرار الاستراتيجي للشركة بما يعرضها للخسارة وربما الإفلاس؛ لأنه لم يعد يصل إلى مراكز القرار الأكفاء فقط, بل يتسلل إلى تلك المراكز من لا تبرأ بهم الذمة أمام الله تعالى...
لقد كشفت دراسة أكاديمية في الأردن في بحث بعنوان:"مشاركة العاملين في اتخاذ القرارات الإدارية في الشركات المساهمة العامة في الأردن"، عن تدني نسبة مشاركة العاملين في الشركات المساهمة في صنع القرارات, وضعف رغبة الرؤساء في إشراك مرؤوسيهم في صنع القرارات الإدارية, كما كشفت الدراسة عن أن أبرز المشكلات التي تواجه عملية المشاركة في صنع القرارات الجماعية هي على الترتيب:
1- ضعف رغبة الرؤساء في إشراك مرؤوسيهم.
2- جمود القوانين والتعليمات.
3- عدم كفاءة الأساليب المتبعة في صنع القرارات.
4- نقص كمية المعلومات اللازمة "غياب الإفصاح".
5- ضيق الوقت المتاح للمشاركة.
6- نقص الخبرة لدى المرؤوسين.
وهذه النتيجة توصل إليها الباحث بعد بحث ميداني أجراه على أربع شركات مساهمة أردنية, وهي: "شركة مصفاة البترول الأردنية, وشركة البوتاس العربية, وشركة مناجم الفوسفات الأردنية, وشركة مصانع الأسمنت الأردنية"، وهذه النتيجة ترسم (في الجملة) واقع الشركات المساهمة في العالم العربي, والتي يغيب فيها الدور الفاعل للمساهم والعامل, لتتورط الشركات أحيانا في حوادث خسائر لا ناقة لها فيها ولا جمل.., ووقوف بعض النواب الكويتيين ضد عملية شراء شركة كويتية أسهم إحدى الشركات المنكوبة في الأزمة المالية العالمية، هو أحد الشواهد على عدم نزاهة بعض القرارات الإدارية الصادرة من بعض صناع القرار في الشركات...!
|