أنا وقراءة التاريخ

-11-2008, PM 11:40

أم فراس

 

تاريخ التسجيل : Apr 2008

المشاركات: 132

المواضيع: 30

ردود: 102

أنا وقراءة التاريخ


تحيرني أيها التاريخ ، فأنت السجل الذي قُيِّد فيه أخبار الماضين ،وأنت الوعاء الذي اختزل فيه سجلات أفعال البشر وأفاعيلهم .
أتخيلك أيها التاريخ تشكو صراع الأمم ،وتصاب بالصداع من جراء رفع دعاوى بعضهم على بعض يشكون الظلم .
أيها التاريخ : أنى لي أن أميز الحق من الباطل مما احتواه جوفك ،وكيف لي أن أسل الباطل المتشابك مع الحق فأرسل الباطل معززا إلى سلة المهملات ؟ !
أيها الصامت : لئن أنجبت لنا رجالا في عهود الإسلام الأولى تميز لنا الرواية وتفحصها صحة وبطلانا ، فإني ألتمس منك إنجاب جيل يميز في حوادثك المتأخرة ، التي لم أجد من يحقق فيها ؟
أيها السهل الممتنع ، ماذا دهاك فامتنعت عن إجابتي ؟ !
لقد قرأت في حوادثك المتأخرة وأنا أجول في قطر مسلم واحد ـ خلال بحثي الماجستير ـ من أقطار الإسلام وتمتعت بالتجوال في قرون سبعة مضت أو تزيد فوجدت نفسي متحيرة بين سجلاتك ،
إنني أقرأ الحدث عند هؤلاء فأجدهم يصفون ظلما حل بهم ، ثم أقلب في سجلات الآخرين فتنجلي حقيقة أن ذاك الظلم كان مجرد دعوى ! ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) فأجد الكل مدعياً والكل منكرا ً .
أهكذا ستبقى بيننا أيها الشاهد ؟ !
ألن تحرك صامتا ؟! ألا تستطيع تنصيب قاض في أروقة محكمتك لينظر في الادعاءات المتعارضة ،أو كما تسميها الروايات ؟ !
ألا يوجد من أوتي فن الجدل والفصل في قضاياك ؟
أين هي الحيادية التي سمعت بها ، وفي أي صفحة من صفحاتك المتأخرة تقرأ ؟
وأين تلك الموضوعية ؟ وعلى أي الحوادث تنطبق ؟ !
أتعلم أيها التاريخ أنك على قدر ما اشتملت عليه من دروس وعبر ومواعظ فإني أخشى المرور بين أروقة محكمتك ؟! ترى ما السبب فيما حدث في تلك الأروقة ، وماهو الذي قلب تلك السجلات رأساً على عقب ؟ !

اسمح لي أيها التاريخ :
لقد كانت سعة صدرك أحد الأسباب لما وصلت إليه جميع الأطراف ،لقد كنت الصدر الرحب الذي سمح للجميع أن يمارس هوايته فيسطر ما يشاء في سجلاتك وعلى جدرانك !
إن ذلك التسامح أعطى الثقة لمن ليس أهلاً لها ، فلقد شرعت أبوابك بشرط المصداقية والأمانة ،ولكن للأسف قد سجل بقلمه فيك من لم يكن أهلا ً لهاتين الخصلتين ، فعبث بالحقائق وزور الوثائق .
أعرفت يا تاريخ لم هربت من قراءتك في الصغر ، لقد خشيت الحكم على الآخرين بما لم يكونوا له فاعلين .
مشكلتي ليست معك يا ذا الصدر الحنون ، ولكن مشكلتي مع الأشخاص الذين سمحوا لأنفسهم بتشويه الحقائق .

ليس مقصودي فئة مذهبية أو طائفة دينية ، وإن كانت الأكثر في التشويه ، ولكن قصدي كل من نزع الحيادية والموضوعية فهما أول مراتب الأمانة العلمية ، وسطر فيك ما ليس بحقيقة .
هل صحيح أن الموضوعية لا تكون إلا في العلم التجريبي ؟
هل أصبحت الحقيقة غائبة في أكثر حوادثك المتأخرة ؟ أو أن للحقيقة ألوانا ً؟
هل الحقيقة ما شاهدته الحواس أو تشمل ما تخمنه الظنون ؟
ما هي وسائل الترجيح فيك أيها التاريخ ؟
وإذا لم تفلح تلك الوسائل فهل ستبقى حكاياتك كما هي تروى بيننا ؟

أحتاج أيها التاريخ لدراسة أثر منهجك على تصوير تاريخ المعتقدات ؟
وأحتاج أيها التاريخ لتأصيل منهجك في رواية الأحداث والأحداث المتأخرة منك بالذات ؟
أتأذن لي أيها التاريخ بذلك ، فلقد جعلت الباحث مثلي يتجشم عناء البحث عن الحقيقة ، و والله لقد تتبعت بعض من وصفوا بالحيادية فوجدتهم قد رووا الأحداث بما يوافق هواهم أو معتقداتهم ، .

أنا لا أقول إن الأهواء لم تدخل في رواياتك القديمة ، ولكن ما أعانيه هو سيطرة الأهواء على روايات حوادثك المتأخرة ،

لقد كانت الحادثة الواحدة تروى بروايات تفصيلية كثيرة فيتعب الباحث في اختيار المختصر منها
أما الأحداث الأخيرة فصارت تروى بقليل من الروايات وكثير من الأهواء ،حتى ضاع جهد الباحث في تحري المصداقية .

أو قد كان في ذاك الزمان رجال ممن نزعت الأمانة من جذر قلوبهم ؟ !
لقد أصبح البحث عن الحقيقة بحثا عن إبرة غاصت في كومة قش ، فهل من مستخرج لها ؟ !!!

 


آخر تحديث
1/14/2009 2:59:56 AM